الجمعة، مايو 05، 2017

ذكرياتى فى رمضان

أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان الكريم .اعادة الله علينا وعلى الجميع بالخير والبركة وكل عام وانتم جميعا بخير .
مازلت أتذكر ذكرى استقبال الشهر الفضيل فى طفولتى فى قريتنا البعيدة بكل الحفاوة .وكنا نجوب القرية ونحن اطفال صغار ونهلل رمضان بكرة وكان سعيد الحظ من يمتلك فانوس رمضان او من يعلق زينه فى حارتة ويشترك الجميع لصنع فانوس رمضان الكبير لنتفاخر به امام أقراننا من المناطق المجاورة .وكان اطفال كل منطقة يلعبون معنا لعبة السيجا والدائرة والإستغماية وعسكر وحرامية وغيرها  .وكنا ننتظر بجوار المسجد نترقب المؤذن للصعود الى المأذنة وبمجرد التكبير ننطلق بسرعة البرق الى بيوتنا لنخبر الأهل بأن المؤذن صدع بالنداء وليفطر الجميع .
كما كنت اقاوم النوم لأشاهد المسحراتى وهو يقوم بالدق على الطبلة ليوقظ الأهالى لتناول السحور ولكننى لا استطيع ولكن والدتى كانت تقوم بايقاظى قوم بسرعة المسحراتى وصل وعندما اقوم يكون مر من امام البيت لانة يمر بسرعة ولأنة يجوب القرية كلها وينادى احيانا بالاسم على بعض الأهل ليوقظهم لتناول السحور .وكان بعد انتهاء رمضان يمر يوم العيد ليحصل على ما تجود بة البيوت من خيرها وفضل من الله فكان يحصل على الكعك والبسكويت والأرز والدقيق واحيانا نقود وحولة كثير من الأطفال لان ذلك كان يتم نهار العيد وكان هو اليوم الذى اشاهد فية المسحراتى عن قرب.
كانت الزيارات المتبادلة لا تنقطع والعزومات تتواصل ويلتقى الأهل والأحباب والجيران وكان جو الحب والمحبة السائد بين الجميع فى تكافل وترابط متين .
وكان هناك حديث من شيخ المسجد يوميا بعد صلاة العصر وقبل صلاة العشاء يلتف اهالى القرية فى حلقة حول الشيخ والمسجد ممتلأ عن آخرة ويتم استضافة أهل العلم والحديث من ابناء القرية الدارسين بالأزهر الشريف لإلقاء الدروس وطرح كل الأسئلة التى تدور فى العقول وتخاطر القلوب ويجيب علية الشيوخ حسب اجتهاداتهم وكان منهم من يستعين بمن هو اعلم منة ليجيب حتى لا يقع فى فتوى خاطئة .ثم تكون صلاة التراويح وبعدها يلتقى الاصدقاء والأهل فى جلسات سمر لا تستمر طويلا .لأن يومهم القادم سيبدأ مع صلاة الفجر .
ولم يكن هناك اى انشغال بما يقدمة التلفزيون من فوازير او مسلسلات واعلم بيوت كثيرة كانت تفضل حجب التلفزيون تماما حتى لا ينشغل اهل البيت عن العبادة وكان الراديو هو وسيلة لمعرفة الأخبار . ولكننى أعترف ان هذا المجتمع المسالم لم يشغل عقلة سوى بحقلة وامورهم اليومية ويعيشون فى حالة من الرضا برغم قسوة حياتهم ونقص كل الأمكانيات أو بالأحرى انعدامها تماما ولكنهم يتكيفون ويعتبرون ان اليوم كان أفضل مما سبقة من ايام مضت.
وتعودنا على الصيام ونحن صغار وتحملنا الجوع والعطش مع العمل فى الحقل والذى كان يزيد صعوبة عملية الصيام ولكننا تعودنا على الصيام حتى يكون لنا مكان على المائدة وسط الأهل والذين يتبارون فى تقديم الطعام لنا واطرائنا بعبارات الثناء والمديح على صمودنا على الصيام برغم صعوبة الجو الحار .وكذلك كانوا يترأفون بنا من العمل الشاق .  وكانت أمى عندما ترانى تقسم عليا الأيمان اننى صائم واننى لم اكل من ورائها او أشرب وتوضح ان من يكذب يذهب الى النار وان شهر رمضان هو شهر الله وان الصيام لله ولا يجب ان تكذب على الله لانة سيحاسبك حسابا عسير ومن شدة الخوف كنت ارفض ان اضع الماء فى فمى حتى عند الوضوء حتى يكون صيامى صحيحا .
واتذكر فى يوم كان شديد الحرارة وكنا نقوم بحصاد القمح ولم استطع الصمود وهم يثابروننى واذهب كل فترة الى وضع رأسى فى المياة حتى استطيع ان اكمل اليوم برغم ان سنى تعدى العاشرة ولكننى فى قبل نهاية اليوم قلت لهم ان الله لا يرضى عن هلاكى ويجب ان اشرب الماء الأن حتى استطيع الحياة لأعبد الله كما امرنى وتسللت منهم وشربت ولم اكل حتى اذن المغرب وكان هذا هو اليوم الوحيد الذى اتذكر اننى افطرتة رغما عنى . 
وكانت امى تستعد لشهر رمضان من بداية شهر رجب .حيث تقوم بتربية مزيد من الطيور من الدواجن والبط والأوز استعدادا للعزومات الرمضانية والزيارات المتبادلة مع الأهل والأحباب الذين يقطنون بالمدينة .كما كانت توفر الأرض الطيبة التى نزرعها بعرقنا كل الخضروات من خس وفجل وجرجير وطماطم وغيرها ويتبادل الفلاحون كل ذلك الجود وكان غالبيتهم يترك قيراط من الأرض لذلك الخير .حيث تعود الأهل فى الريف ان يأكلوا مما يزرعون ومن حصاد ارضهم وما يرعونة من طيور ولديهم الأرز والخزين من البطاطس والقمح ليخبزوا يوميا قدر احتياجاتهم .وكان مبدا عملية الشراء يكاد يكون منعدم .فالحياة رغم قسوتها الا انهم تعودوا على ان ياكلوا من زرعهم وما تجود على ماشيتهم من لبن ويصنعون الجبن والقشدة والزبدة والفائض يبيعونة لتغطية تكاليف اخرى .
وكنت ترى المائدة عامرة بالخير وحولها قلوب راضية شاكرة فضل الله ونعمة .
عكس هذة الأيام فقد اصبحوا يشترون كل شىء حتى الخبز وكل مستلزمات البيت من المأكل فاين تلك القرية الفاضلة والتى ذهبت مع الزمن الجميل .
ولكننى مازلت احمل فى قلبى وعقلى كل الحب لتلك الأيام السالفة والتى كان فيها الحب متاح بلا مقابل ولا زيف .والكل يعيش فى تعاون وتناغم وتكافل وترابط ليس فقط فى رمضان انما طيلة العام
فشهر رمضان كان يشعرك بعبق من الروحانيات فالمساجد ممتلئة بالمصليين وبعد الصلاة يتلون كتاب الله ويلتفون حول حلقات الذكر والتعليم .حتى تشتد تلك الروحانيات والعبادة فى العشر الأواخر من الشهر الفضيل ومع بداية الإعتكاف .وكنت انا وأقرانى نتسابق على من يصلى اكثر فى التهجد وبعد صلاة التراويح او من قرأ أكثر فى المصحف وكان معظمنا يتردد على كتاب القرية ومن حفظة القرأن الكريم
اعاد الله على جميع المسلمين الشهر الفضيل بالخير والبركات وكتب الله لمصر السلامة والأمان والتقدم والازدهار وحفظ الله مصر وشعبها
وكل عام وانتم بخير
وللحديث بقية .


                







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق