الجمعة، سبتمبر 20، 2013

الفلاح المصرى تاريخ من الفقر





يقول جان فرانسوا شامبليون المستشرق الفرنسي في وصف الفلاحين المصريين الذين رأهم في اثناء دراسته للاثار المصرية عام 1828 ( كان الفلاحون الفقراء شبه العرايا يفرون لمرأنا مثل قطيع من الغزلان لاعتقادهم بأننا من جباة الضرائب و ثأثر شمبليون من بؤس و معاناة الفلاح فكتب ان محمد علي كان يعلم بان اسلافه الاقدمين كانوا يصورون مصر علي هيئة بقرة و لذلك هو لا يتورع عن حلبها و انهاكها ليلاً و نهاراً ...

هذا ما ذكرته الدكتورة الهام ذهني استاذة التاريخ الحديث بجامعة الازهر في كتابها الرائع " رؤية الرحالة الاوربيين لمصر .. بين النزعة الإنسانية و الاستعمارية " الصادر عن دار الشروق ... و روعة هذا الكتاب و قيمته تكمن في جمع اراء معظم الرحالة والمؤرخين الاوربيين الذين اهتموا و كتبوا عن مصر و عن المجتمع المصرى منذ القرن السادس عشر و حتي اواخر القرن التاسع عشر مع تقييم موضوعي لتلك الاراء من حيث توجه المؤرخ او اهداف الرحالة فيما ينقلون .

و العديد من كتب التاريخ ذكرت بالتفاصيل المهانة و الذل الذي تعرض له الفلاح المصري في عصر محمد علي او عصر النهضة الحديثة كما نطلق عليه الان فرغم الانجازات الحضارية التي قام بها الا ان احوال القطاع الغالب من الشعب و هم الفلاحين كانت اشبه بحياة العبيد حتي انهم كانوا يطلقون علي محمد علي ( ظالم باشا ) لاجبارهم علي العمل بالسخرة في حفر القنوات المائية الكبرى مثل المحمودية و اعمال الاشغال العامة من تمهيد الطرق و بناء الجسور.

و اجتمعت اراء الرحالة و المؤرخين علي ان الفلاح المصري كان يعيش في فقر و شقاء شديد رغم انه صاحب البلاد و يشكل اكثر من 90 % من السكان في هذا الوقت .. و ترجع اهمية ما قاله شامبليون عن الفلاح المصري الي انه عاش فترة طويلة في مصر اثناء الحملة الفرنسية و ايضا بعد فشلها حيث عاد الي مصر اثناء حكم محمد علي ليعيش مسافرا و متتبعا للاثار المصرية لسنوات طويلة حتي اكتشف اللغة الهيروغليفية من خلال ترجمة حجر رشيد و ايضا ما عرف عن كتاباته من موضوعية شديدة و امانة في نقل الاحداث مما اعطاه شعبية تؤكد ان العالم كله عرف فقر الفلاح المصري و معاناته حتي في عصر النهضة و هي مثال واضح للمعاناة .

و الفقر الذي يعيشه الفلاح المصري منذ نشأة التاريخ .. لذلك تعجبت من كم التصريحات الاعلامية التي صدرت بعد زيارة الصدقة و الاحسان التي قامت ماريا تيريسا ( النائبة الأولى لرئيس الحكومة الإسبانية ) لمنطقة دهشورفي حي الهرم وقيامها بتوزيع 30 مليون جنيه (6.3 مليون دولار) على مئات الفقراء حيث سلمت 1500 جنيه لكل شخص ..

المشكلة الاساسية كانت في صورة نشرت بالصحف تظهر فيها احد الفلاحات الفقراء و هي تقبل ( تبوس ) يد تيريسا و تناولت الصحف الصورة بالنقد و الغضب و الفوران علي اعتبارها تمس سمعة مصر امام العالم و تظهرنا كشراذم من الجياع ... كل ما اريد ان اقوله يا سادتي ان السمعة قديمة و يعرفها كل المهتمين بالشأن المصري من الغرب و الشرق و الشمال و الجنوب حتي في قمة ثراء المجتمع المصري كان الفلاح المصري يعيش في القاع و يأخذ دائما ما تبقي من كافة الفئات الاخري رغم انه العامل الرئيسى في ثراء و رفاهية تلك الفئات .

و حين حصل علي بعض حقوقه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر انقلب عليه المجتمع سريعا و تكالب عليه يمتصه و يستغل جهده فتباع المحاصيل جبراً بأقل سعر و يشتري البذور و الاسمدة بأعلي سعر حتي مكانته الاجتماعية ظلت متدنية (فلاح ) جرب انت بنفسك ان تقول لاحد اصدقائك يا فلاح سيظنها في الوهلة الاولى (شتيمه) هكذا نظرنا لتلك الطبقة ولم نبح رغم انهم الاصل فينا جميعا ..

لذلك تطورت اشكال كافة المهن و الحرف في مصر على مر التاريخ الا الفلاحة و تحسنت احول الفئات الاخري علي مر التاريخ وتبدلت و شهدت ثراء و رفاهية الا فئة الفلاحين ظلت احوالهم كما هي ولم تتغير و لم ينالوا الا اقل القليل من الرفاهية و الخدمات هم باختصار الاغلبية المتجمدة الفقيرة دائما .. لذلك اذا نظرنم للصورة مرة اخري لا تتسألوا عن شكل مصر و لا عن صدقة الحكومة الاسبانية و لا عن كيف يرانا العالم بل ركزوا فقط في حال هذا الفلاح و فقره الذي قسم ظهره لينحني دائما و يبوس الايادي وعلى مر التاريخ ,,, و لنفكر قليلا في هذا المجتمع و قضاياه قبل ان نفكر في شكله امام العالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق